كل ما يجب أن تعرفه عن ممارسة حق الإضراب
كثيرا ما يتردد البعض من عمال قطاع التربية عن خوض الإضرابات والاحتجاجات التي تنظمها نقابات القطاع , أما لجهلهم بالقوانين والتشريعات أو بسبب المعلومات المغلوطة التي يسمعونها وتشوش عليهم إما عن قصد لإفشال إضراب ما , أو عن حسن نية.
في هذه الدراسة القانونية البحتة سأحاول أن أوضح الغموض الذي يلف هذا الموضوع و أزيل الشكوك التي قد يواجهها البعض خاصة من غير المنتسبين للنقابات.
أولا: حق الاضراب في القانون الجزائري:
إن حق الإضراب ظلت تمارسه الطبقة العاملة دفاعا عن حقوقها، ولتحقيق مطالبها منذ عهد الاستعمار الفرنسي الذي كان يعتبر أن هذا الحق مسموحا به فقط للعمال الفرنسيين دون الجزائريين. إلى أن تمكنت الطبقة العاملة بعد صراع طويل، أن تفرض ذلك على أرض الواقع بعد تضحيات كبيرة.
ورغم ذلك، فقد ظل العمال يمارسون هذا الحق، إلى أن تم إقرارهوالتنصيص عليه في الدستور. بدءا من دستور 1963 ولا سيما المادة 20 منه انتهاء بدستور 1996 , والذي نصت المادة 57 منه على ما يلي: "أن الحق في الإضراب معترف به ويمارس في إطار القانون", وجاء القانون رقم 90-02 المؤرخ في 10 رجب عام 1410 الموافق لـ 6 فبراير سنة 1990 والمتعلق بالوقاية من النزعات الجماعية في العمل وتسويتها وممارسة حق الإضراب, ليكرس هذه الممارسة ويؤكدها.وقد ترسخ هذا الحق أكثر مع صدورالأمر رقم 06-03 المؤرخ في 19 جمادى الثانية عام 1427 الموافق لـ 15 جويلية 2006 والمتضمن القانون الأساسي العام للوظيفة العمومية, حيث أن المادتين 36 و 37 منحت للموظف ممارسة الحق النقابي والحق في الإضراب في إطار التشريعات المعمول بها.
والتعريف الأبسط للإضراب يعني قيام العمال أو الموظفون العامون أو أصحاب المهن بالتوقف المؤقت عن العمل بشكل جماعي كوسيلة ضغط لتحقيق أهدافهم ومطالبهم.
وتختلف الأسباب والظروف التي تؤدي للجوء إلى الإضراب, لكن الإضرابات عادة ما يتم اللجوء لها إثر فشل أو تعثر التفاوض الجماعي كوسيلة ضغط على أصحاب العمل أو الدولة.
وهناك نوعين من الإضرابات هما:
1- الإضراب الإنذاري المحدد المدة:
وهو الذي يتم خوضه لمدة ساعة أو ساعتين أو يوم أو يومين ، وقد يكون أكثر أو أقل من ذلك , إما داخل أو خارج المؤسسة (مكان العمل). ويمكن أن يتحول إلى إضراب مستمر إن لم يتم التوصل إلى اتفاق.
2-الإضراب المستمر أو غير المحدد المدة أو المفتوح:
وفي هذا النوع من الإضراب يأتي العمال إلى أماكن عملهم, لكن لا يمارسون أعمالهم الاعتيادية, ويتم خوض الإضراب لمدة غير محددة ويكون مستمر أو مفتوح حتى تحقيق المطالب.
النتيــجة:
إن الحق في الإضراب هو حق أصيل مضمون لكل مواطن, كفله الدستور والقانون الجزائري. شريطة أن يمارس في إطار التشريع المعمول به.
ثانيا: ما هي النقابة أو التنظيم النقابي؟
في معجم علم الاجتماع تعرف النقابة كما يلي:
"هي تنظيم اختياري دائم للعمال يهدف إلى رعاية مصالحهم و الدفاع عن شروط عملهم و تحسين أحوالهم و معيشتهم"
كما أن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عام 1948, قد نص على أن: " لكل شخص الحق في أن ينشئ وينضم إلى نقابات حماية لمصلحته".
وقد تضمنت اتفاقية منظمة العمل الدولية رقم 98 لعام 1949 بعض الضمانات لكفالة الحق في الانتساب للنقابات بحرية.
إذا فالنقابات تلجأ لوسائل عديدة في سبيل تحقيق أهدافها, ويعتبر التفاوض الجماعي والإضراب الوسيلتين البارزتين والهامتين من بينها.
والقانون الجزائري سمح للعمال الأجراء بتأسيس منظمات نقابية كما تبرزه المادة (03) منالقانون رقم 90-14 المؤرخ في 09 ذي القعدة عام 1410 الموافق 2 يونيو سنة1990 المتعلق بكيفيات ممارسة الحق النقابي، المعدل والمتممبالقانون 91/30 المؤرخ في 21/12/1991, والتي تنص على ما يلي:" يحق للعمال الأجراء، من جهة والمستخدمين من جهة أخرى، أن يكونوا لهذاالغرض، منظمات نقابية أو ينخرطوا انخراطا حرا و إراديا في منظمات نقابيةموجودة شريطة. أن يمتثلوا للتشريع المعمول به والقوانين الأساسية لهذهالمنظمات النقابية ".
ثالثاً: وسائل العمل الممنوحة للهيكل النقابي (الفرع النقابي):
حتى و لو كان الهدف من إنشاء الهياكل النقابية (الفروع النقابية والاتحادات الولائية والمحلية وغيرها من الهياكل العمودية والأفقية), هو ضمان تمثيل المصالح المادية و المعنوية لأعضاء المنظمة النقابية المنشأة، فبالرغم من ذلك فإنها لا تتمتع بالشخصية المعنوية و بالتالي لا تستطيع إبرام العقود و لا اللجوء إلى القضاء كمدعية أو مدعى عليها و هذا ما أقرته المحكمة العليا . إذ اعتبرت: " أن الهيكل النقابي ما هو إلا فرع محلي للنقابة و ليس له لا أهمية و لا صفة التقاضيو ذلك لعدم تمتعه بالشخصية الاعتبارية". (قرار منشور م.ق.ع الأول لسنة 1998 صادر عن المحكمة العليا بتاريخ 09/12/97 تحت رقم 14927(.
و لكن حتى و إن كان الفرع النقابي لا يتمتع بالشخصية الاعتبارية القانونية , فإن المشرع منحه عدة صلاحيات لتمكينه من القيام بالمهام الموكلة إليه خاصة تلك المتعلقة بتمثيل المصالح المادية والمعنوية لأعضائه داخل المؤسسة هذه الصلاحيات تتمثل في ما يلي:
1- حرية الإعلام:
يجب على كل مدير مؤسسة تربوية أن يخصص لكل فرع نقابي داخل المؤسسة , لوحة إعلانات تكون مغايرة لتلك الموضوعة للإعلانات الإدارية الداخلية للمؤسسة ، و ذلك للإعلام النقابي وفقا للاتفاق المبرم مع مدير المؤسسة و يرجع للتفاوض تحديد عدد اللوحات، شكلها، مساحتها و مكان وضعها.ويركز القـرار رقم 778 مؤرخ في 26/10/1991 المتعلق بنظام الجماعة التربوية في المؤسسات التربوية والتكوينية وفي المـادة 85 منه على ضرورة أن:" تخصص المؤسسة أماكن ملائمة للإعلانات والمنشورات النقابية تكون في متناول الموظفين وبعيدة عن المرافق التي يتواجد بها التلاميذ". لكن تبقى كيفية ووقت النشر حرة ومن اختصاص الفرع النقابي وحده مع وجوب احترام أوقات الدوام العادية
للمؤسسة.
لكن هل للفرع الحرية التامة في نشر كل ما يريده دون مراقبة من قبل مدير المؤسسة؟
إن مضمون الوثائق المنشورة توضع بكل حرية من قبل الفرع النقابي و ذلك تكريسا لمبدأ حرية ممارسة الحق النقابي داخل المؤسسة ، بشرط أن يكون المضمون متفق مع الهدف المسطر لها مع إرسال نسخة منها في نفس الوقت إلى مدير المؤسسة لإعلامه بمضمونها، و عليه فليس للمدير سلطة المراقبة لا القبلية و لا البعدية على المنشورات النقابية وليس له الحق في التأشير على منشورات الفرع النقابي - كما يزعم ويطالب به بعض المدراء- على اعتبار ان الفرع النقابي لا يخضع لسلطة المدير وهو فرع محلي لتنظيم نقابي يملك الشخصية القانونية الاعتبارية ، إذا ما تبين للمدير أن تلك المنشورات تتضمن أحكام مخالفة لأهداف تلك النقابة - الدفاع عن مصالح و حقوق أعضائها- فرغم ذلك ليس له صلاحية نزع ذلك المنشور أو حذف جزء منه لأنه بذلك يكون عرضة للمتابعة الجزائية لارتكابه مخالفة عرقلة ممارسة الحق النقابي، و نفس الحكم يطبق على كل شخص يقوم بذات الفعل .(المادة 56 من القانون 90/14).
وقد يتعلل بعض بإلزامية تأشير المدير على المنشورات النقابية بالمـادة 19 من القـرار رقم 778 والتي تنص على ما يلي:" تخضع كل أشكال الإلصاق والإشهار في المؤسسات إلى تأشيرة مدير المؤسسة وتمنع الملصقات والإشهارات ذات الطابع السياسي والحزبي ، ويسهر مدير المؤسسة على تطبيق هذه الأحكام ".
لكن يجب التمييز بين نوعين من أشكال الإلصاق في المؤسسات التربوية , فهناك المنشورات التربوية أو البيداغوجية الصادرة من الإدارة الوصاية , وهناك إعلانات تتعلق بالنشاط الداخلي والحياة المدرسية للمؤسسة , وهناك إعلانات صادرة من جهات خارجية مرتبطة بالمؤسسة كجمعيات أولياء التلاميذ و جمعية قدماء المدرسة وجمعيات الطفولة و الشباب ..........الخ. فكل ما ذكرناه سابقا من أشكال الإلصاق والإشهار يخضع لموافقة و تأشيرة مدير المؤسسة.
بينما حرية الإعلام والنشر التي يتمتع بها الفرع النقابي توضحها نصوص قانونية لها قوة حجية اكبر, فالنص القانوني أقوى من القرارات الوزارية ويلغيها على اعتبار قاعدة توازي الأشكال (النص القانوني لا يلغيه إلا نص قانوني اكبر منه أو يوازيه) , فحينما يتعارض نصان قانونيان فإننا نأخذ بالنص القانوني الأكبر قوة وحجية. لهذا فالمادة 48 من القانون 90-14 تلزم المستخدم على ضرورة تخصيص لوح إعلانات في مكان ملائم. والمادة 38 من نفس القانون تعطى صلاحيات للمنظمة النقابية بان تعلم جماعات العمال بواسطة نشرات نقابية أو عن طريق التعليق في الأماكن الملائمة التي يخصصها المستخدم لهذا الغرض. و المتصفح لمواد هذا القانون يلحظ أنه لم يرد ذكر لأي دور للمستخدم في موضوع الإلصاق والإشهار.
أما من أعتبر مضمون المنشورات التي يعلقها الفرع النقابي أنها غير شرعية فما عليه إلا أن يلجأ إلى القاضي الإستعجالي الذي وحده يستطيع الأمر بالنزع الفوري للمنشور ، و ذلك لتفادي الضرر الذي يمكن أن ينجر عن ذلك النشر، و عندما تكون حالة الاستعجال غير متوافرة - أي لم تعد هناك فائدة من نزع ذلك المنشور- فان القضاء العادي يكون هو المختص بالفصل في أصل الحق و يقرر ما إذا كان مضمون المنشور شرعي أم لا؟ ، و الحكم الصادر في هذه الحالة ينحصر في إلزام المنظمة النقابية التي أسست الفرع النقابي في تعويض الضرر الناجم.
-2حرية توزيع المناشير:
إن المشرع الجزائري لم ينص صراحة على اعتبار توزيع المناشير من صلاحيات الفروع النقابية، لكن بالرغم من ذلك فإنها تعتبر من بين أهم وسائل حرية التعبير عن الآراء النقابية، و حتى كوسيلة لإعلام العمال عن النتائج المتوصل إليها في الاجتماعات. ولا يوجد نص قانوني يمنع الفروع النقابية للمنظمات النقابية من توزيع المناشير, لذا فالسكوت يعني ضمنيا الجواز ولا يعني قطعا المنع.لان القاعدة القانونية تقول: لا عقوبة على جريمة غير منصوص عليها قانونيا.
لذا فأن عدم ورود نص صريح وواضحينظم كيفية توزيع المناشير داخل المؤسسة لا يعني بالضرورة المنع , وعليه فيمكن أن تتفاوض المنظمات النقابية مع الوزارة الوصية ومديرياتها الولائية و الاتفاق معها حول حرية الفروع النقابية في ممارسة حق توزيع المناشير داخل المؤسسة، وطريقة و وقت و أماكن توزيعها.
وعموما فإن توزيع المناشير داخل المؤسسة يعتبر نتيجة طبيعية لحرية ممارسة الحق النقابي وذلك بشرط أن يكون محتواها مطابق لنشاط المنظمة النقابية و للهدف الذي تصبو إلى تحقيقه.
- 3حرية عقد الاجتماعات:
بإمكان كل فرع نقابي، عندما يريد ذلك، أن يعقد اجتماعا داخل المؤسسة و بالذات في الأماكن المحددة لذلك الغرض- مع ملاحظة أن القانون يشترط في حالة كون المنظمة النقابية تضم 150 عضو أو أكثر- أن يضع صاحب العمل (الإدارة) تحت تصرفها محلا ملائما لعقد الاجتماعات فيه (مقرا)، أما إذا كان عدد الأعضاء أقل من 150 عضوا, فإن أمر تحديد مكان الاجتماعات يرجع إلى التفاوض بين المنظمة النقابية و الوزارة الوصية أو مديرياتها الولائية ، ذلك أن هذا الأخيرة تعتبر مسئولة عن تسهيل عملية عقد الاجتماعات بوضعها الوسائل الضرورية لذلك.
ولضمان حسن سير العمل النقابي، فقد نص المشرع صراحة بوجوب عقد اجتماعات الفرع النقابي خارج أوقات العمل و وللفرع النقابي الحرية التامة في تحديد تاريخها ، وهذا طبقا لما جاء في المـادة 15 من القـرار رقم 778 التي تنص على ما يلي:" تعقد الفروع النقابية وجمعيات أولياء التلاميذ المعتمدة بالمؤسسة اجتماعاتها بعد الحصول على موافقة من مدير المؤسسة ، ويجب أن تنعقد هذه الاجتماعات خارج أوقات عمل المشاركين في الاجتماع ". و نبهت المادة 16 من نفس القرار السابق على ضرورة أن:" تحافظ الفروع النقابية وجمعيات أولياء التلاميذ على المحلات والتجهيزات"
و عموما, فإن كل ذلك يرجع تنظيمه إلى التفاوض الجماعي باعتبار حرية عقد الاجتماعات يترجم عقدها داخل المؤسسة على أنه حرية ممارسة الحق النقابي.
إن الأصل أن تعقد الاجتماعات ما بين أعضاء الفرع النقابي ، لكن ما الحكم لو أراد المدير حضورها ؟
إن الفائدة المرجوة من عقد تلك الاجتماعات هو دراسة المشاكل التي تحيط بالأعضاء داخل المؤسسة و بالأخص ظروف العمل، لذلك لا يجوز أن يكون المدير حاضرا عند مناقشتها، و ذلك لتسهيل ممارسة الحق النقابي ، غير أنه في حالة ما إذا طلب المدير حضور اجتماع ما , فإن قبوله أو رفضه يفصل فيه الفرع النقابي وبحرية تامة.
رابعاً: ممارسة حق الإضراب والتنظيمات النقابية؟
إن القانون 90-14, جاء مقررا للمبادئ الأساسية للدفاع عن مصالح المستخدمون المادية والمعنوية وإعطاءها الصفة التمثيلية للعمال والتفاوض باسمهم , إذ توفر فيها الشرطين التاليين:
1) أن تكون معتمدة بصفة قانونية ومر على اعتمادها 06 أشهر على الأقل.
2) أن يكون عدد العمال المنخرطين فيها لا يقل عن 20 % من مجموع العمال في المؤسسة.( المادة 35من القانون 90-14 تنص على ما يلي:تعتبرتمثيلية داخل المؤسسة المستخدمة الواحدة، المنظمات النقابية للعمال التيتضم 20% على الأقل من العدد الكلى للعمال الأجراء، الذين تغطيهم القوانينالأساسية لهذه المنظمات النقابية و/ أو المنظمات النقابية التي لهاتمثيل 20% على الأقل في لجنة المشاركة إذا كانت موجودة داخل المؤسسةالمستخدمة.
يتعين على المنظمات النقابية المذكورة في الفقرة الأولىأعلاه، إبلاغ المستخدم أو السلطة الإدارية المختصة، حسب الحالة، في بدايةكل سنة مدنية، بكل العناصر التي تمكنهما من تقدير تمثيلية هذه المنظماتضمن الهيئة المستخدمة الواحدة، لاسيما عدد منخرطيها واشتراكات أعضائها. (
أمــا باقي التنظيمات النقابية التي لا يتوفر على شرط من هذا الشروط وخاصة التمثيل ، فإن لها حق إبداء الرأي و الملاحظــة.
والمادة 38من نفس القانون 90-14, توضح ما ذكرناه ه سابقا: " تتمتع المنظمات النقابية التمثيلية للعمال الأجراء في كل مؤسسة مستخدمة في إطار التشريع والتنظيم المعمول بهما، بصلاحيات الآتية:
• المشاركة في مفاوضات الاتفاقيات أو الاتفاقات الجماعية، داخل المؤسسة المستخدمة.
• المشاركة في الوقاية من الخلافات في العمل وتسويتها وممارسة حق الإضراب.
• جمع أعضاء المنظمة النقابية في الأماكن أو المحلات المتصلة بها خارج أوقاتالعمل، واستثناء، أثناء ساعات العمل، إذا حصل اتفاق مع المستخدم.
• إعلام جماعات العمال المعنيين بواسطة النشرات النقابية أو عن طريق التعليق في الأماكن الملائمة التي يخصصها المستخدم لهذا الغرض.• جمع الاشتراكات النقابية في أماكن العمل من أعضاء، حسب الإجراءات المتفق عليها مع المستخدم.
• تشجيع عمليات التكوين النقابي لصالح أعضائها."
إن تشريعات العمل وضحت بدقة كيفيات ممارسة حق الإضراب , فالقانون 90-02 السابق ذكره يحدد الإجراءات الواجب إتباعها لممارسة هذا الحق فالمادة 24 تنص انه" إذا استمر الخلاف بعد استنفاد إجراءات المصالحة والوساطة المنصوص عليها أعلاه، وفي غياب طرق أخرى للتسوية، قد ترد في عقد أو اتفاقية بين الطرفين، يمارس حق العمال في اللجوء إلى الإضراب وفقا للشروط و الكيفيات المحددة في أحكام هذا القانون."
بالنسبة للمؤسسات والإدارات العمومية كقطاع التربية فان الإجراءات المقصودة هنا هي المصالحة كما حددته المواد من 16 إلى 20 من القانون 90-02. و اللجوء لحق الإضراب وفق الكيفيات المحددة في المواد من 24 إلى 31.
كما أن القانون يحمي حق الإضراب الذي يمارس مع احترام الأحكام و الكيفيات موضحة سابقا.( المادة 32)
فالمواد 33 إلى 57 تبين العقوبات التي تسلط على كل من يعرقل حرية العمل النقابي أو حرية الإضراب أو حرية العمل أثناء الإضراب.
النتيجة:
إن الإضراب حق دستوري أصيل ومضمون كفله الدستور والقانون , يمارس في إطار التشريع والتنظيم المعمول بهما وهو القانون 90-14 وكل المراسيم والقرارات التنظيمية الموضحة لكيفيات تطبيقه.
خامساً:شبهات حول الإضرابات والرد عليها:
السؤال الأول: متى يكون الإضراب شرعي؟
حسب القانون والدستور فالإضراب حق مضمون لكل مواطن , لكن ممارسته تكون ضمن القانون والتشريعات المعمول بها. وحتى يكون الإضراب شرعيا يجب توفر مجموعة من الشروط هي:
1) أن تكون النقابة الداعية للإضراب معتمدة قانونيا من طرف وزارة العمل ومضى على اعتمادها أكثر من 06 أشهر.
2) أن تكون النقابة الداعية للإضراب تمثيلية في قطاع النشاط (التربية مثلا) إن كان الإضراب وطني ( fnte,unpef, cnapest,snapest.satef.snte.snapap) , أو تمثيلية على المستوى الولائي إن كان الإضراب ولائي (نقابة المؤسسة أو اتحاد الولائي) , أو تمثيلية على المستوى البلدي (نقابة فوج أو اتحاد محلي) إن كان الإضراب على مستوى البلدية , أو تمثيلية على مستوى المؤسسة (فرع نقابي) إن كان الإضراب على مستوى المؤسسة.
ومفهوم التمثيلية في منظور القانون 90-14 يعني انه على المنظمات النقابية أن تضم 20% على الأقل من العدد الكلى للعمال الأجراء على مستوى المؤسسة مكان العمل أو البلدية أو الولاية أو قطاع النشاط على مستوى الوطن.
3) أن تكون النقابة الداعية للإضراب قد احترمت كيفيات ممارسة حق الإضراب كما هو موضح في الباب الثالث من الفصل الأول من القانون 90-02 ,وأهم هذه الآليات التي يجب احترامها:
· قبل إعلان الإضراب يجب أن تكون النقابة الداعية للإضراب قد قامت بإجراءات المصالحة كما هو منصوص عليه في المواد من 14 إلى 20 من القانون 90-02.
· عقد جمعيات عامة للعمال بحضور على الأقل نصف عدد العمال المنخرطين في المنظمة النقابية الداعية للإضراب , وموافقة العمال المجتمعين بالأغلبية على الإضراب عن طريق الاقتراع السري.
· الإشعار المسبق بالإضراب, بحيث لا يجب أن تقل مدة الإشعار عن 08 أيام من تاريخ إيداعه لدى المستخدم (الإدارة).
· التزام النقابة وبالتنسيق مع الإدارة المعنية أو الوزارة باتخاذ التدابير اللازمة لضمان المحافظة على المنشآت والأملاك وضمان أمنها , ويعينان العمال الذين يتكفلون بتلك المهام.
· تتفق النقابة الداعية للإضراب مع المستخدم على ميادين النشاط التي تتطلب الحد الأدنى للخدمة والعمال الضروريين للتكفل بذلك.
4) أن تكون المطالب المرفوعة من طرف النقابة الداعية للإضراب مشروعة , أي أنها تقتصر على المطالب التي تتعلق بالعلاقات الاجتماعية والمهنية في علاقة العمل والشروط العامة للعمل للمؤسسة أو قطاع النشاط. فمثلا لا يمكن اعتبار الإضراب الذي تقوم به نقابة في التربية من اجل إعادة تصنيف الممرضين في الصنف 10 انه إضراب شرعي؟ لان نقابة التربية مجال نشاطها هو الدفاع عن عمال التربية وفقط.
السؤال الثاني: هل كل العمال يمكنهم ان يمارسوا حق الاضراب سواء كانوا منخرطين في النقابة ام لا؟
إذا كان الإضراب الذي تدعوا إليه النقابة , هو إضراب شرعي مستوفي جميع الشروط التي شرحنها سابقا , وحسب نوعه : إضراب وطني , ولائي , بلدي أو على مستوى المؤسسة , فان أي عامل اقتنع بشرعية المطالب و بصدقية النقابة الداعية إليه, بإمكانه ممارسة هذا الحق والاستجابة للإضراب , وهذا بغض النظر إن كان منخرطا في التنظيم النقابي الداعي للإضراب أو غير منخرط , لأن ما دام الإضراب شرعيا (لم يصدر حكم قضائي بعدم شرعيته) والنقابة الداعية للإضراب شرعية و معتمدة قانونيا وتنتمي لنفس قطاع النشاط , فان أي عامل من حقه أن يمارس حق الإضراب طبقا للدستور والتشريع المعمول به.
و لا يوجد أي نص قانوني أو مادة تمنع غير المنخرطين في النقابة من المشاركة في الإضراب, أو تحصر المشاركة بالإضراب فقط في المنخرطين بالتنظيم النقابي. ويمكن أن نثبت و نبرهن على ذلك بالأدلة والقرائن الآتية:
1- إن القانون اعتبر أن الحق في الإضراب والتفاوض الجماعي مقتصر على النقابات التمثيلية حصرا وهي النقابات التي تضم في صفوفها على الأقل 20% من العمال , هذا يعني بالضرورة أن هاته النقابة التمثيلية , تمثل كل العمال سواء كانوا منخرطين أو غير منخرطين وهي تتفاوض وتعقد الاتفاقات والاتفاقيات باسمهم مع الإدارة.
إذا فالصفة التي منحها القانون للنقابة بأنها تمثيلية , تجعلها تمثل كل العمال فعلا وقولا.
2- إذا كانت لدينا نقابة تمثيلية في قطاع ما , تضم في صفوفها حوالي 30% من العمال , و افترضنا أن الإضراب من حق فقط العمال المنخرطين في النقابة فهذا يعني تلقائيا أن الإضراب سيكون فاشلا ونسبته لن تتجاوز 30% هذا لو اضرب كل العمال المنخرطين.وهذا الأمر يبدو غير منطقيا ولا يقبله عقل , فحتى يكون اضربا ناجحا ومؤثرا يجب أن يشارك اكبر عدد من العمال فيه , وإذا قمنا بفرض شرط الانخراط في النقابة حتى يُسمح للعامل بالإضراب , فهذا يعني أن الانخراط أصبح إجباريا وهو مخالف لإحكام المادة 03 من القانون 90-14 والتي تنص بوضوح :" أن الانخراط في المنظمات النقابية يكون حرا وإراديا ".
3- لو قبلنا أن النقابة الداعية للإضراب وبعد انتهائه , حققت كل مطالبها أو جزء منها , فهل سيستفيد فقط العمال المنخرطين في هاته النقابة والذين قاموا بالإضراب أم كل عمال المؤسسة؟
بالتأكيد سيستفيد كل العمال من نتائج الإضراب وهم في الاستفادة سواء المضرب أو غير المضرب, المنخرط أو غير المنخرط. وعلى هذا الأساس فان كانت النتائج عامة فالمنطق يقول أن يكون السبب في الوصول إلى هاته النتائج عاما كذلك ويشمل الجميع من باب أن الشر يعم والخير يعم.
إذا النتيجة التي نستخلصها هي أن كل العمال دون استثناء أو تمييز من حقهم المشاركة في أي إضراب يدعوا إليه تنظيم نقابي إذا توفرت الشروط التالية:
الشرط الأول: أن تكون النقابة تمثيلية , أي عدد منخرطيها يتجاوز 20% من العمال.
الشرط الثاني:أن لا يكون قد صدر قرار قضائي بعدم شرعية الإضراب.
الشرط الثالث: أن تكون المطالب المرفوعة مهنية واجتماعية تخص العمال, وليست مطالب سياسية أو حزبية أو غيرها.
السؤال الثالث: هل من حق العمال المتربصين غير المرسمين أن يمارسوا حق الاضراب؟
كثيرا ما نجد أن مدراء المؤسسات , وحتى بعض النقابيين يطالبون من العمال المتربصين عدم المشاركة في الإضرابات خوفا عليهم من فقدان مناصبهم أو اعتقادا منهم بان المتربص ليس من حقهم القيام بالإضراب!
وهو جهل فظيع بالقانون , وتعدي فاضح على حق أساسي من حقوق العمال ألا وهو الحق في ممارسة الإضراب.
إن المتربص وطبقا للمادة 87 من الأمر 06-03 المتضمن القانون الأساسي للوظيفة العمومية تقرر: " يخضع المتربص إلى نفس واجبات الموظفين ويتمتع بنفس حقوقهم مع مراعاة أحكام هذا القانون الأساسي " , وبما أنه لم يرد أي نص أو مادة في هذا القانون الأساسي تقيٌد ذلك , فإننا نقرر بأن المتربص من حقه ممارسة حق الإضراب على اعتبار أن هذا الحق وارد في المادة 37 من القانون الأساسي للوظيفة العمومية كحق من حقوق الموظفين. كما أن الإضراب لا يقطع علاقة العمل بل يعلقها فقط, ويعتبر العامل المضرب في وضعية قانونية سليمة 100% أمام الإدارة. فالمادة 64 من القانون رقم 90-11 المؤرخ في 26 رمضان 1410 الموافق لـ21 أفريل 1990 والمتعلق بعلاقات العمل المعدل والمتمم بالأمر 97-02 المؤرخ في 11 جانفي 1997 تؤكد على أن تعليق علاقة العمل قانونا يكون لأسباب عدة ذكرت المادة من ضمنها ممارسة حق الإضراب , وفي المادة 65 تنص على أن العمال المشار إليهم في المادة 64 السابقة يٌعاد إدراجهم قانونا في مناصب عملهم. يعنى ذلك أن العامل المضرب سواء كان متربصا أو مرسما فالقانون لا يعتبره في حالة غياب غير شرعي وإنما اعتبر أن علاقته بالعمل معلقة أو متوقفة مؤقتا , وغيابه عن العمل بسبب الإضراب شرعي وقانوني,ولا يترتب عنه أية عقوبات مهما كانت.
النتيجة:
من حق الموظف المتربص أن يقوم بالإضراب ويمارس الحق النقابي بالانتساب لتنظيم نقابي معتمد قانونا وهو يتمتع بنفس حقوق وواجبات الموظف المرسم إلا في أمور محددة بعينها ذكرها القانون الأساسي العام للوظيفة العمومية.
المراجع:
1- قانون رقم 90-14 مؤرخ في 09 ذي القعدة عام 1410 الموافق 2 يونيو سنة1990 المتعلق بكيفيات ممارسة الحق النقابي، المعدل والمتمم بالقانون رقم 91-30 مؤرخ في 14جمادى الثانية عام 1412 الموافق21 ديسمبر سنة 1991 , والأمر رقم 96-12 المؤرخ في 23 محرم عام 1417 الموافق 10 يونيو سنة 1996.
2- القانون رقم 90-02 مؤرخ في 10 رجب عام 1410 الموافق لـ 6 فبراير سنة 1990 والمتعلق بالوقاية من النزعات الجماعية في العمل وتسويتها وممارسة حق الإضراب.
3- القانون رقم 90-11 المؤرخ في 26 رمضان 1410 الموافق لـ21 أفريل 1990 والمتعلق بعلاقات العمل المعدل والمتمم بالأمر 97-02 المؤرخ في 11 جانفي 1997.
4- الأمر رقم 06-03 المؤرخ في 19 جمادى الثانية عام 1427 الموافق لـ 15 جويلية 2006 والمتضمن القانون الأساسي العام للوظيفة العمومية.
5- القـرار رقم 778 مؤرخ في 26/10/1991 المتعلق بنظام الجماعة التربوية في المؤسسات التربوية والتكوينية.
6- موسى يودهان: الدساتير الجزائرية ,الطبعة الاولى , 2008 , كليك للنشر.
7- قانون العمل في ضوء الممارسة القضائية , منشورات بيرتي , طبعة 2006
8- تنظيم العلاقات الصناعية والشؤون الأفراد , حمدي أمين عبد الهادي ، مطبعة بغداد، 1970.
9- دور النقابة في التنمية الاجتماعية والاقتصادية , بوحميدة التومي، بكوش قدور ، مذكرة تخرج لنيل شهادة دراسات جامعية تطبيقية، ،جامعة التكوين المتواصل ، السنة الجامعية 2006/2007 ،غرداية.
في هذه الدراسة القانونية البحتة سأحاول أن أوضح الغموض الذي يلف هذا الموضوع و أزيل الشكوك التي قد يواجهها البعض خاصة من غير المنتسبين للنقابات.
أولا: حق الاضراب في القانون الجزائري:
إن حق الإضراب ظلت تمارسه الطبقة العاملة دفاعا عن حقوقها، ولتحقيق مطالبها منذ عهد الاستعمار الفرنسي الذي كان يعتبر أن هذا الحق مسموحا به فقط للعمال الفرنسيين دون الجزائريين. إلى أن تمكنت الطبقة العاملة بعد صراع طويل، أن تفرض ذلك على أرض الواقع بعد تضحيات كبيرة.
ورغم ذلك، فقد ظل العمال يمارسون هذا الحق، إلى أن تم إقرارهوالتنصيص عليه في الدستور. بدءا من دستور 1963 ولا سيما المادة 20 منه انتهاء بدستور 1996 , والذي نصت المادة 57 منه على ما يلي: "أن الحق في الإضراب معترف به ويمارس في إطار القانون", وجاء القانون رقم 90-02 المؤرخ في 10 رجب عام 1410 الموافق لـ 6 فبراير سنة 1990 والمتعلق بالوقاية من النزعات الجماعية في العمل وتسويتها وممارسة حق الإضراب, ليكرس هذه الممارسة ويؤكدها.وقد ترسخ هذا الحق أكثر مع صدورالأمر رقم 06-03 المؤرخ في 19 جمادى الثانية عام 1427 الموافق لـ 15 جويلية 2006 والمتضمن القانون الأساسي العام للوظيفة العمومية, حيث أن المادتين 36 و 37 منحت للموظف ممارسة الحق النقابي والحق في الإضراب في إطار التشريعات المعمول بها.
والتعريف الأبسط للإضراب يعني قيام العمال أو الموظفون العامون أو أصحاب المهن بالتوقف المؤقت عن العمل بشكل جماعي كوسيلة ضغط لتحقيق أهدافهم ومطالبهم.
وتختلف الأسباب والظروف التي تؤدي للجوء إلى الإضراب, لكن الإضرابات عادة ما يتم اللجوء لها إثر فشل أو تعثر التفاوض الجماعي كوسيلة ضغط على أصحاب العمل أو الدولة.
وهناك نوعين من الإضرابات هما:
1- الإضراب الإنذاري المحدد المدة:
وهو الذي يتم خوضه لمدة ساعة أو ساعتين أو يوم أو يومين ، وقد يكون أكثر أو أقل من ذلك , إما داخل أو خارج المؤسسة (مكان العمل). ويمكن أن يتحول إلى إضراب مستمر إن لم يتم التوصل إلى اتفاق.
2-الإضراب المستمر أو غير المحدد المدة أو المفتوح:
وفي هذا النوع من الإضراب يأتي العمال إلى أماكن عملهم, لكن لا يمارسون أعمالهم الاعتيادية, ويتم خوض الإضراب لمدة غير محددة ويكون مستمر أو مفتوح حتى تحقيق المطالب.
النتيــجة:
إن الحق في الإضراب هو حق أصيل مضمون لكل مواطن, كفله الدستور والقانون الجزائري. شريطة أن يمارس في إطار التشريع المعمول به.
ثانيا: ما هي النقابة أو التنظيم النقابي؟
في معجم علم الاجتماع تعرف النقابة كما يلي:
"هي تنظيم اختياري دائم للعمال يهدف إلى رعاية مصالحهم و الدفاع عن شروط عملهم و تحسين أحوالهم و معيشتهم"
كما أن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عام 1948, قد نص على أن: " لكل شخص الحق في أن ينشئ وينضم إلى نقابات حماية لمصلحته".
وقد تضمنت اتفاقية منظمة العمل الدولية رقم 98 لعام 1949 بعض الضمانات لكفالة الحق في الانتساب للنقابات بحرية.
إذا فالنقابات تلجأ لوسائل عديدة في سبيل تحقيق أهدافها, ويعتبر التفاوض الجماعي والإضراب الوسيلتين البارزتين والهامتين من بينها.
والقانون الجزائري سمح للعمال الأجراء بتأسيس منظمات نقابية كما تبرزه المادة (03) منالقانون رقم 90-14 المؤرخ في 09 ذي القعدة عام 1410 الموافق 2 يونيو سنة1990 المتعلق بكيفيات ممارسة الحق النقابي، المعدل والمتممبالقانون 91/30 المؤرخ في 21/12/1991, والتي تنص على ما يلي:" يحق للعمال الأجراء، من جهة والمستخدمين من جهة أخرى، أن يكونوا لهذاالغرض، منظمات نقابية أو ينخرطوا انخراطا حرا و إراديا في منظمات نقابيةموجودة شريطة. أن يمتثلوا للتشريع المعمول به والقوانين الأساسية لهذهالمنظمات النقابية ".
ثالثاً: وسائل العمل الممنوحة للهيكل النقابي (الفرع النقابي):
حتى و لو كان الهدف من إنشاء الهياكل النقابية (الفروع النقابية والاتحادات الولائية والمحلية وغيرها من الهياكل العمودية والأفقية), هو ضمان تمثيل المصالح المادية و المعنوية لأعضاء المنظمة النقابية المنشأة، فبالرغم من ذلك فإنها لا تتمتع بالشخصية المعنوية و بالتالي لا تستطيع إبرام العقود و لا اللجوء إلى القضاء كمدعية أو مدعى عليها و هذا ما أقرته المحكمة العليا . إذ اعتبرت: " أن الهيكل النقابي ما هو إلا فرع محلي للنقابة و ليس له لا أهمية و لا صفة التقاضيو ذلك لعدم تمتعه بالشخصية الاعتبارية". (قرار منشور م.ق.ع الأول لسنة 1998 صادر عن المحكمة العليا بتاريخ 09/12/97 تحت رقم 14927(.
و لكن حتى و إن كان الفرع النقابي لا يتمتع بالشخصية الاعتبارية القانونية , فإن المشرع منحه عدة صلاحيات لتمكينه من القيام بالمهام الموكلة إليه خاصة تلك المتعلقة بتمثيل المصالح المادية والمعنوية لأعضائه داخل المؤسسة هذه الصلاحيات تتمثل في ما يلي:
1- حرية الإعلام:
يجب على كل مدير مؤسسة تربوية أن يخصص لكل فرع نقابي داخل المؤسسة , لوحة إعلانات تكون مغايرة لتلك الموضوعة للإعلانات الإدارية الداخلية للمؤسسة ، و ذلك للإعلام النقابي وفقا للاتفاق المبرم مع مدير المؤسسة و يرجع للتفاوض تحديد عدد اللوحات، شكلها، مساحتها و مكان وضعها.ويركز القـرار رقم 778 مؤرخ في 26/10/1991 المتعلق بنظام الجماعة التربوية في المؤسسات التربوية والتكوينية وفي المـادة 85 منه على ضرورة أن:" تخصص المؤسسة أماكن ملائمة للإعلانات والمنشورات النقابية تكون في متناول الموظفين وبعيدة عن المرافق التي يتواجد بها التلاميذ". لكن تبقى كيفية ووقت النشر حرة ومن اختصاص الفرع النقابي وحده مع وجوب احترام أوقات الدوام العادية
للمؤسسة.
لكن هل للفرع الحرية التامة في نشر كل ما يريده دون مراقبة من قبل مدير المؤسسة؟
إن مضمون الوثائق المنشورة توضع بكل حرية من قبل الفرع النقابي و ذلك تكريسا لمبدأ حرية ممارسة الحق النقابي داخل المؤسسة ، بشرط أن يكون المضمون متفق مع الهدف المسطر لها مع إرسال نسخة منها في نفس الوقت إلى مدير المؤسسة لإعلامه بمضمونها، و عليه فليس للمدير سلطة المراقبة لا القبلية و لا البعدية على المنشورات النقابية وليس له الحق في التأشير على منشورات الفرع النقابي - كما يزعم ويطالب به بعض المدراء- على اعتبار ان الفرع النقابي لا يخضع لسلطة المدير وهو فرع محلي لتنظيم نقابي يملك الشخصية القانونية الاعتبارية ، إذا ما تبين للمدير أن تلك المنشورات تتضمن أحكام مخالفة لأهداف تلك النقابة - الدفاع عن مصالح و حقوق أعضائها- فرغم ذلك ليس له صلاحية نزع ذلك المنشور أو حذف جزء منه لأنه بذلك يكون عرضة للمتابعة الجزائية لارتكابه مخالفة عرقلة ممارسة الحق النقابي، و نفس الحكم يطبق على كل شخص يقوم بذات الفعل .(المادة 56 من القانون 90/14).
وقد يتعلل بعض بإلزامية تأشير المدير على المنشورات النقابية بالمـادة 19 من القـرار رقم 778 والتي تنص على ما يلي:" تخضع كل أشكال الإلصاق والإشهار في المؤسسات إلى تأشيرة مدير المؤسسة وتمنع الملصقات والإشهارات ذات الطابع السياسي والحزبي ، ويسهر مدير المؤسسة على تطبيق هذه الأحكام ".
لكن يجب التمييز بين نوعين من أشكال الإلصاق في المؤسسات التربوية , فهناك المنشورات التربوية أو البيداغوجية الصادرة من الإدارة الوصاية , وهناك إعلانات تتعلق بالنشاط الداخلي والحياة المدرسية للمؤسسة , وهناك إعلانات صادرة من جهات خارجية مرتبطة بالمؤسسة كجمعيات أولياء التلاميذ و جمعية قدماء المدرسة وجمعيات الطفولة و الشباب ..........الخ. فكل ما ذكرناه سابقا من أشكال الإلصاق والإشهار يخضع لموافقة و تأشيرة مدير المؤسسة.
بينما حرية الإعلام والنشر التي يتمتع بها الفرع النقابي توضحها نصوص قانونية لها قوة حجية اكبر, فالنص القانوني أقوى من القرارات الوزارية ويلغيها على اعتبار قاعدة توازي الأشكال (النص القانوني لا يلغيه إلا نص قانوني اكبر منه أو يوازيه) , فحينما يتعارض نصان قانونيان فإننا نأخذ بالنص القانوني الأكبر قوة وحجية. لهذا فالمادة 48 من القانون 90-14 تلزم المستخدم على ضرورة تخصيص لوح إعلانات في مكان ملائم. والمادة 38 من نفس القانون تعطى صلاحيات للمنظمة النقابية بان تعلم جماعات العمال بواسطة نشرات نقابية أو عن طريق التعليق في الأماكن الملائمة التي يخصصها المستخدم لهذا الغرض. و المتصفح لمواد هذا القانون يلحظ أنه لم يرد ذكر لأي دور للمستخدم في موضوع الإلصاق والإشهار.
أما من أعتبر مضمون المنشورات التي يعلقها الفرع النقابي أنها غير شرعية فما عليه إلا أن يلجأ إلى القاضي الإستعجالي الذي وحده يستطيع الأمر بالنزع الفوري للمنشور ، و ذلك لتفادي الضرر الذي يمكن أن ينجر عن ذلك النشر، و عندما تكون حالة الاستعجال غير متوافرة - أي لم تعد هناك فائدة من نزع ذلك المنشور- فان القضاء العادي يكون هو المختص بالفصل في أصل الحق و يقرر ما إذا كان مضمون المنشور شرعي أم لا؟ ، و الحكم الصادر في هذه الحالة ينحصر في إلزام المنظمة النقابية التي أسست الفرع النقابي في تعويض الضرر الناجم.
-2حرية توزيع المناشير:
إن المشرع الجزائري لم ينص صراحة على اعتبار توزيع المناشير من صلاحيات الفروع النقابية، لكن بالرغم من ذلك فإنها تعتبر من بين أهم وسائل حرية التعبير عن الآراء النقابية، و حتى كوسيلة لإعلام العمال عن النتائج المتوصل إليها في الاجتماعات. ولا يوجد نص قانوني يمنع الفروع النقابية للمنظمات النقابية من توزيع المناشير, لذا فالسكوت يعني ضمنيا الجواز ولا يعني قطعا المنع.لان القاعدة القانونية تقول: لا عقوبة على جريمة غير منصوص عليها قانونيا.
لذا فأن عدم ورود نص صريح وواضحينظم كيفية توزيع المناشير داخل المؤسسة لا يعني بالضرورة المنع , وعليه فيمكن أن تتفاوض المنظمات النقابية مع الوزارة الوصية ومديرياتها الولائية و الاتفاق معها حول حرية الفروع النقابية في ممارسة حق توزيع المناشير داخل المؤسسة، وطريقة و وقت و أماكن توزيعها.
وعموما فإن توزيع المناشير داخل المؤسسة يعتبر نتيجة طبيعية لحرية ممارسة الحق النقابي وذلك بشرط أن يكون محتواها مطابق لنشاط المنظمة النقابية و للهدف الذي تصبو إلى تحقيقه.
- 3حرية عقد الاجتماعات:
بإمكان كل فرع نقابي، عندما يريد ذلك، أن يعقد اجتماعا داخل المؤسسة و بالذات في الأماكن المحددة لذلك الغرض- مع ملاحظة أن القانون يشترط في حالة كون المنظمة النقابية تضم 150 عضو أو أكثر- أن يضع صاحب العمل (الإدارة) تحت تصرفها محلا ملائما لعقد الاجتماعات فيه (مقرا)، أما إذا كان عدد الأعضاء أقل من 150 عضوا, فإن أمر تحديد مكان الاجتماعات يرجع إلى التفاوض بين المنظمة النقابية و الوزارة الوصية أو مديرياتها الولائية ، ذلك أن هذا الأخيرة تعتبر مسئولة عن تسهيل عملية عقد الاجتماعات بوضعها الوسائل الضرورية لذلك.
ولضمان حسن سير العمل النقابي، فقد نص المشرع صراحة بوجوب عقد اجتماعات الفرع النقابي خارج أوقات العمل و وللفرع النقابي الحرية التامة في تحديد تاريخها ، وهذا طبقا لما جاء في المـادة 15 من القـرار رقم 778 التي تنص على ما يلي:" تعقد الفروع النقابية وجمعيات أولياء التلاميذ المعتمدة بالمؤسسة اجتماعاتها بعد الحصول على موافقة من مدير المؤسسة ، ويجب أن تنعقد هذه الاجتماعات خارج أوقات عمل المشاركين في الاجتماع ". و نبهت المادة 16 من نفس القرار السابق على ضرورة أن:" تحافظ الفروع النقابية وجمعيات أولياء التلاميذ على المحلات والتجهيزات"
و عموما, فإن كل ذلك يرجع تنظيمه إلى التفاوض الجماعي باعتبار حرية عقد الاجتماعات يترجم عقدها داخل المؤسسة على أنه حرية ممارسة الحق النقابي.
إن الأصل أن تعقد الاجتماعات ما بين أعضاء الفرع النقابي ، لكن ما الحكم لو أراد المدير حضورها ؟
إن الفائدة المرجوة من عقد تلك الاجتماعات هو دراسة المشاكل التي تحيط بالأعضاء داخل المؤسسة و بالأخص ظروف العمل، لذلك لا يجوز أن يكون المدير حاضرا عند مناقشتها، و ذلك لتسهيل ممارسة الحق النقابي ، غير أنه في حالة ما إذا طلب المدير حضور اجتماع ما , فإن قبوله أو رفضه يفصل فيه الفرع النقابي وبحرية تامة.
رابعاً: ممارسة حق الإضراب والتنظيمات النقابية؟
إن القانون 90-14, جاء مقررا للمبادئ الأساسية للدفاع عن مصالح المستخدمون المادية والمعنوية وإعطاءها الصفة التمثيلية للعمال والتفاوض باسمهم , إذ توفر فيها الشرطين التاليين:
1) أن تكون معتمدة بصفة قانونية ومر على اعتمادها 06 أشهر على الأقل.
2) أن يكون عدد العمال المنخرطين فيها لا يقل عن 20 % من مجموع العمال في المؤسسة.( المادة 35من القانون 90-14 تنص على ما يلي:تعتبرتمثيلية داخل المؤسسة المستخدمة الواحدة، المنظمات النقابية للعمال التيتضم 20% على الأقل من العدد الكلى للعمال الأجراء، الذين تغطيهم القوانينالأساسية لهذه المنظمات النقابية و/ أو المنظمات النقابية التي لهاتمثيل 20% على الأقل في لجنة المشاركة إذا كانت موجودة داخل المؤسسةالمستخدمة.
يتعين على المنظمات النقابية المذكورة في الفقرة الأولىأعلاه، إبلاغ المستخدم أو السلطة الإدارية المختصة، حسب الحالة، في بدايةكل سنة مدنية، بكل العناصر التي تمكنهما من تقدير تمثيلية هذه المنظماتضمن الهيئة المستخدمة الواحدة، لاسيما عدد منخرطيها واشتراكات أعضائها. (
أمــا باقي التنظيمات النقابية التي لا يتوفر على شرط من هذا الشروط وخاصة التمثيل ، فإن لها حق إبداء الرأي و الملاحظــة.
والمادة 38من نفس القانون 90-14, توضح ما ذكرناه ه سابقا: " تتمتع المنظمات النقابية التمثيلية للعمال الأجراء في كل مؤسسة مستخدمة في إطار التشريع والتنظيم المعمول بهما، بصلاحيات الآتية:
• المشاركة في مفاوضات الاتفاقيات أو الاتفاقات الجماعية، داخل المؤسسة المستخدمة.
• المشاركة في الوقاية من الخلافات في العمل وتسويتها وممارسة حق الإضراب.
• جمع أعضاء المنظمة النقابية في الأماكن أو المحلات المتصلة بها خارج أوقاتالعمل، واستثناء، أثناء ساعات العمل، إذا حصل اتفاق مع المستخدم.
• إعلام جماعات العمال المعنيين بواسطة النشرات النقابية أو عن طريق التعليق في الأماكن الملائمة التي يخصصها المستخدم لهذا الغرض.• جمع الاشتراكات النقابية في أماكن العمل من أعضاء، حسب الإجراءات المتفق عليها مع المستخدم.
• تشجيع عمليات التكوين النقابي لصالح أعضائها."
إن تشريعات العمل وضحت بدقة كيفيات ممارسة حق الإضراب , فالقانون 90-02 السابق ذكره يحدد الإجراءات الواجب إتباعها لممارسة هذا الحق فالمادة 24 تنص انه" إذا استمر الخلاف بعد استنفاد إجراءات المصالحة والوساطة المنصوص عليها أعلاه، وفي غياب طرق أخرى للتسوية، قد ترد في عقد أو اتفاقية بين الطرفين، يمارس حق العمال في اللجوء إلى الإضراب وفقا للشروط و الكيفيات المحددة في أحكام هذا القانون."
بالنسبة للمؤسسات والإدارات العمومية كقطاع التربية فان الإجراءات المقصودة هنا هي المصالحة كما حددته المواد من 16 إلى 20 من القانون 90-02. و اللجوء لحق الإضراب وفق الكيفيات المحددة في المواد من 24 إلى 31.
كما أن القانون يحمي حق الإضراب الذي يمارس مع احترام الأحكام و الكيفيات موضحة سابقا.( المادة 32)
فالمواد 33 إلى 57 تبين العقوبات التي تسلط على كل من يعرقل حرية العمل النقابي أو حرية الإضراب أو حرية العمل أثناء الإضراب.
النتيجة:
إن الإضراب حق دستوري أصيل ومضمون كفله الدستور والقانون , يمارس في إطار التشريع والتنظيم المعمول بهما وهو القانون 90-14 وكل المراسيم والقرارات التنظيمية الموضحة لكيفيات تطبيقه.
خامساً:شبهات حول الإضرابات والرد عليها:
السؤال الأول: متى يكون الإضراب شرعي؟
حسب القانون والدستور فالإضراب حق مضمون لكل مواطن , لكن ممارسته تكون ضمن القانون والتشريعات المعمول بها. وحتى يكون الإضراب شرعيا يجب توفر مجموعة من الشروط هي:
1) أن تكون النقابة الداعية للإضراب معتمدة قانونيا من طرف وزارة العمل ومضى على اعتمادها أكثر من 06 أشهر.
2) أن تكون النقابة الداعية للإضراب تمثيلية في قطاع النشاط (التربية مثلا) إن كان الإضراب وطني ( fnte,unpef, cnapest,snapest.satef.snte.snapap) , أو تمثيلية على المستوى الولائي إن كان الإضراب ولائي (نقابة المؤسسة أو اتحاد الولائي) , أو تمثيلية على المستوى البلدي (نقابة فوج أو اتحاد محلي) إن كان الإضراب على مستوى البلدية , أو تمثيلية على مستوى المؤسسة (فرع نقابي) إن كان الإضراب على مستوى المؤسسة.
ومفهوم التمثيلية في منظور القانون 90-14 يعني انه على المنظمات النقابية أن تضم 20% على الأقل من العدد الكلى للعمال الأجراء على مستوى المؤسسة مكان العمل أو البلدية أو الولاية أو قطاع النشاط على مستوى الوطن.
3) أن تكون النقابة الداعية للإضراب قد احترمت كيفيات ممارسة حق الإضراب كما هو موضح في الباب الثالث من الفصل الأول من القانون 90-02 ,وأهم هذه الآليات التي يجب احترامها:
· قبل إعلان الإضراب يجب أن تكون النقابة الداعية للإضراب قد قامت بإجراءات المصالحة كما هو منصوص عليه في المواد من 14 إلى 20 من القانون 90-02.
· عقد جمعيات عامة للعمال بحضور على الأقل نصف عدد العمال المنخرطين في المنظمة النقابية الداعية للإضراب , وموافقة العمال المجتمعين بالأغلبية على الإضراب عن طريق الاقتراع السري.
· الإشعار المسبق بالإضراب, بحيث لا يجب أن تقل مدة الإشعار عن 08 أيام من تاريخ إيداعه لدى المستخدم (الإدارة).
· التزام النقابة وبالتنسيق مع الإدارة المعنية أو الوزارة باتخاذ التدابير اللازمة لضمان المحافظة على المنشآت والأملاك وضمان أمنها , ويعينان العمال الذين يتكفلون بتلك المهام.
· تتفق النقابة الداعية للإضراب مع المستخدم على ميادين النشاط التي تتطلب الحد الأدنى للخدمة والعمال الضروريين للتكفل بذلك.
4) أن تكون المطالب المرفوعة من طرف النقابة الداعية للإضراب مشروعة , أي أنها تقتصر على المطالب التي تتعلق بالعلاقات الاجتماعية والمهنية في علاقة العمل والشروط العامة للعمل للمؤسسة أو قطاع النشاط. فمثلا لا يمكن اعتبار الإضراب الذي تقوم به نقابة في التربية من اجل إعادة تصنيف الممرضين في الصنف 10 انه إضراب شرعي؟ لان نقابة التربية مجال نشاطها هو الدفاع عن عمال التربية وفقط.
السؤال الثاني: هل كل العمال يمكنهم ان يمارسوا حق الاضراب سواء كانوا منخرطين في النقابة ام لا؟
إذا كان الإضراب الذي تدعوا إليه النقابة , هو إضراب شرعي مستوفي جميع الشروط التي شرحنها سابقا , وحسب نوعه : إضراب وطني , ولائي , بلدي أو على مستوى المؤسسة , فان أي عامل اقتنع بشرعية المطالب و بصدقية النقابة الداعية إليه, بإمكانه ممارسة هذا الحق والاستجابة للإضراب , وهذا بغض النظر إن كان منخرطا في التنظيم النقابي الداعي للإضراب أو غير منخرط , لأن ما دام الإضراب شرعيا (لم يصدر حكم قضائي بعدم شرعيته) والنقابة الداعية للإضراب شرعية و معتمدة قانونيا وتنتمي لنفس قطاع النشاط , فان أي عامل من حقه أن يمارس حق الإضراب طبقا للدستور والتشريع المعمول به.
و لا يوجد أي نص قانوني أو مادة تمنع غير المنخرطين في النقابة من المشاركة في الإضراب, أو تحصر المشاركة بالإضراب فقط في المنخرطين بالتنظيم النقابي. ويمكن أن نثبت و نبرهن على ذلك بالأدلة والقرائن الآتية:
1- إن القانون اعتبر أن الحق في الإضراب والتفاوض الجماعي مقتصر على النقابات التمثيلية حصرا وهي النقابات التي تضم في صفوفها على الأقل 20% من العمال , هذا يعني بالضرورة أن هاته النقابة التمثيلية , تمثل كل العمال سواء كانوا منخرطين أو غير منخرطين وهي تتفاوض وتعقد الاتفاقات والاتفاقيات باسمهم مع الإدارة.
إذا فالصفة التي منحها القانون للنقابة بأنها تمثيلية , تجعلها تمثل كل العمال فعلا وقولا.
2- إذا كانت لدينا نقابة تمثيلية في قطاع ما , تضم في صفوفها حوالي 30% من العمال , و افترضنا أن الإضراب من حق فقط العمال المنخرطين في النقابة فهذا يعني تلقائيا أن الإضراب سيكون فاشلا ونسبته لن تتجاوز 30% هذا لو اضرب كل العمال المنخرطين.وهذا الأمر يبدو غير منطقيا ولا يقبله عقل , فحتى يكون اضربا ناجحا ومؤثرا يجب أن يشارك اكبر عدد من العمال فيه , وإذا قمنا بفرض شرط الانخراط في النقابة حتى يُسمح للعامل بالإضراب , فهذا يعني أن الانخراط أصبح إجباريا وهو مخالف لإحكام المادة 03 من القانون 90-14 والتي تنص بوضوح :" أن الانخراط في المنظمات النقابية يكون حرا وإراديا ".
3- لو قبلنا أن النقابة الداعية للإضراب وبعد انتهائه , حققت كل مطالبها أو جزء منها , فهل سيستفيد فقط العمال المنخرطين في هاته النقابة والذين قاموا بالإضراب أم كل عمال المؤسسة؟
بالتأكيد سيستفيد كل العمال من نتائج الإضراب وهم في الاستفادة سواء المضرب أو غير المضرب, المنخرط أو غير المنخرط. وعلى هذا الأساس فان كانت النتائج عامة فالمنطق يقول أن يكون السبب في الوصول إلى هاته النتائج عاما كذلك ويشمل الجميع من باب أن الشر يعم والخير يعم.
إذا النتيجة التي نستخلصها هي أن كل العمال دون استثناء أو تمييز من حقهم المشاركة في أي إضراب يدعوا إليه تنظيم نقابي إذا توفرت الشروط التالية:
الشرط الأول: أن تكون النقابة تمثيلية , أي عدد منخرطيها يتجاوز 20% من العمال.
الشرط الثاني:أن لا يكون قد صدر قرار قضائي بعدم شرعية الإضراب.
الشرط الثالث: أن تكون المطالب المرفوعة مهنية واجتماعية تخص العمال, وليست مطالب سياسية أو حزبية أو غيرها.
السؤال الثالث: هل من حق العمال المتربصين غير المرسمين أن يمارسوا حق الاضراب؟
كثيرا ما نجد أن مدراء المؤسسات , وحتى بعض النقابيين يطالبون من العمال المتربصين عدم المشاركة في الإضرابات خوفا عليهم من فقدان مناصبهم أو اعتقادا منهم بان المتربص ليس من حقهم القيام بالإضراب!
وهو جهل فظيع بالقانون , وتعدي فاضح على حق أساسي من حقوق العمال ألا وهو الحق في ممارسة الإضراب.
إن المتربص وطبقا للمادة 87 من الأمر 06-03 المتضمن القانون الأساسي للوظيفة العمومية تقرر: " يخضع المتربص إلى نفس واجبات الموظفين ويتمتع بنفس حقوقهم مع مراعاة أحكام هذا القانون الأساسي " , وبما أنه لم يرد أي نص أو مادة في هذا القانون الأساسي تقيٌد ذلك , فإننا نقرر بأن المتربص من حقه ممارسة حق الإضراب على اعتبار أن هذا الحق وارد في المادة 37 من القانون الأساسي للوظيفة العمومية كحق من حقوق الموظفين. كما أن الإضراب لا يقطع علاقة العمل بل يعلقها فقط, ويعتبر العامل المضرب في وضعية قانونية سليمة 100% أمام الإدارة. فالمادة 64 من القانون رقم 90-11 المؤرخ في 26 رمضان 1410 الموافق لـ21 أفريل 1990 والمتعلق بعلاقات العمل المعدل والمتمم بالأمر 97-02 المؤرخ في 11 جانفي 1997 تؤكد على أن تعليق علاقة العمل قانونا يكون لأسباب عدة ذكرت المادة من ضمنها ممارسة حق الإضراب , وفي المادة 65 تنص على أن العمال المشار إليهم في المادة 64 السابقة يٌعاد إدراجهم قانونا في مناصب عملهم. يعنى ذلك أن العامل المضرب سواء كان متربصا أو مرسما فالقانون لا يعتبره في حالة غياب غير شرعي وإنما اعتبر أن علاقته بالعمل معلقة أو متوقفة مؤقتا , وغيابه عن العمل بسبب الإضراب شرعي وقانوني,ولا يترتب عنه أية عقوبات مهما كانت.
النتيجة:
من حق الموظف المتربص أن يقوم بالإضراب ويمارس الحق النقابي بالانتساب لتنظيم نقابي معتمد قانونا وهو يتمتع بنفس حقوق وواجبات الموظف المرسم إلا في أمور محددة بعينها ذكرها القانون الأساسي العام للوظيفة العمومية.
المراجع:
1- قانون رقم 90-14 مؤرخ في 09 ذي القعدة عام 1410 الموافق 2 يونيو سنة1990 المتعلق بكيفيات ممارسة الحق النقابي، المعدل والمتمم بالقانون رقم 91-30 مؤرخ في 14جمادى الثانية عام 1412 الموافق21 ديسمبر سنة 1991 , والأمر رقم 96-12 المؤرخ في 23 محرم عام 1417 الموافق 10 يونيو سنة 1996.
2- القانون رقم 90-02 مؤرخ في 10 رجب عام 1410 الموافق لـ 6 فبراير سنة 1990 والمتعلق بالوقاية من النزعات الجماعية في العمل وتسويتها وممارسة حق الإضراب.
3- القانون رقم 90-11 المؤرخ في 26 رمضان 1410 الموافق لـ21 أفريل 1990 والمتعلق بعلاقات العمل المعدل والمتمم بالأمر 97-02 المؤرخ في 11 جانفي 1997.
4- الأمر رقم 06-03 المؤرخ في 19 جمادى الثانية عام 1427 الموافق لـ 15 جويلية 2006 والمتضمن القانون الأساسي العام للوظيفة العمومية.
5- القـرار رقم 778 مؤرخ في 26/10/1991 المتعلق بنظام الجماعة التربوية في المؤسسات التربوية والتكوينية.
6- موسى يودهان: الدساتير الجزائرية ,الطبعة الاولى , 2008 , كليك للنشر.
7- قانون العمل في ضوء الممارسة القضائية , منشورات بيرتي , طبعة 2006
8- تنظيم العلاقات الصناعية والشؤون الأفراد , حمدي أمين عبد الهادي ، مطبعة بغداد، 1970.
9- دور النقابة في التنمية الاجتماعية والاقتصادية , بوحميدة التومي، بكوش قدور ، مذكرة تخرج لنيل شهادة دراسات جامعية تطبيقية، ،جامعة التكوين المتواصل ، السنة الجامعية 2006/2007 ،غرداية.
04/02/2014